هل كانت ليلة 21 رمضان 2025 هي ليلة القدر؟: بين العلامات الظاهرة وطمأنينة القلوب
في كل عام، ومع حلول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، يبدأ المسلمون رحلة روحانية مميزة، تتصاعد فيها مشاعر الترقب، والإيمان، والرجاء… بحثًا عن أعظم ليلة في العام: ليلة القدر. تلك الليلة التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم بأنها “خير من ألف شهر”، وجعل فيها من الخير والرحمة والمغفرة ما لا يُحصى.
ولعل أكثر ما يميز هذه الأيام المباركة، هو حرص الناس على تحري علامات ليلة القدر، ومحاولة تمييزها بين الليالي، خصوصًا الليالي الوترية منها، حيث يرجّح الكثير من العلماء وقوعها في إحداها. وفي رمضان 1446 هـ – 2025 م، كان التركيز الأكبر منصبًا على ليلة 21 رمضان، والتي صادفت ليلة الجمعة، مما زاد من خصوصيتها وهالة الروحانية حولها.
فهل كانت حقًا هي ليلة القدر؟ وهل ظهرت العلامات المرتقبة؟ أم أن الإجابة أعمق من مجرد ظواهر فلكية وملاحظات حسية؟
ليلة 21 رمضان 2025: لماذا جذبت كل هذا الانتباه؟
في فجر يوم الجمعة، الموافق 21 رمضان 1446 هـ – 21 مارس 2025 م، تفاعل المسلمون بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا في الدول العربية والإسلامية، حيث شارك المئات صورًا ومقاطع لشروق الشمس، مشيرين إلى أنها بدت بيضاء هادئة، بلا شعاع قوي.
وهي العلامة الأشهر التي وردت في حديث النبي ﷺ حين قال:
“صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها” – رواه مسلم.
كما ربط الكثيرون بين اجتماع ليلة وترية مع ليلة الجمعة، وهو ما يُعتبر – في بعض المذاهب الفقهية – علامة مرجحة لليلة القدر. وقد ورد عن بعض السلف أن “اجتماع الوتر والجمعة” يحمل خصوصية مضاعفة، لما فيه من فضل الزمان وفضيلة اليوم.
ماذا عن شروق الشمس في صباح 21 رمضان؟
وفقًا للعديد من المشاهدات من مناطق مختلفة، أفاد المراقبون أن الشمس طلعت خافتة الإشعاع، هادئة اللون، بيضاء مائلة للصفاء، وقد التُقطت لها صور في أكثر من بلد تُظهر قرص الشمس بدون الهالة النارية المعتادة.
ومع ذلك، فإن هذا المشهد ليس حاسمًا بحد ذاته. فقد أكد علماء الفلك مرارًا أن انعدام الشعاع قد يكون نتيجة لعوامل مناخية مثل:
- وجود طبقات من الضباب أو الغبار في الجو.
- تغيرات في رطوبة الهواء.
- تأثير سحب خفيفة تحجب جزءًا من الإشعاع.
لكن هذا لا يُنكر أن الكثيرين ممن شاهدوا الشمس في ذلك اليوم، شعروا بشيء مختلف… نوع من الطمأنينة غير المعتادة، وهو ما قادهم للاعتقاد أن تلك الليلة ربما كانت هي المقصودة.
ماذا قال أهل العلم؟
رغم اهتمام المسلمين برصد العلامات، إلا أن العلماء يؤكدون دائمًا أن ليلة القدر ليست أمرًا يُحسم بالحس أو الرؤية فقط، بل هي مقامٌ روحاني عظيم، قد يدركه القلب دون أن تدركه العين.
وقد قال الإمام النووي رحمه الله:
“الأرجح أن الله تعالى أخفاها ليجتهد الناس في جميع العشر، لا ليبحثوا عنها كمن يبحث عن كنز ضائع.”
وأكدت دار الإفتاء المصرية في بيان لها خلال رمضان 2025، أن “الاجتهاد في العبادة هو الهدف الأسمى من العشر الأواخر، وأن العلامات ليست بديلاً عن التقوى والعمل الصالح”.
رأي مختلف: هل يجب أن نُجزم أنها ليلة القدر؟
الحقيقة أن الإجابة ليست نعم أو لا. بل الأهم من ذلك أن ندرك أن:
- كل ليلة من العشر الأواخر فرصة ثمينة.
- كل لحظة فيها قابلة لأن تكون لحظة القبول والتوبة.
- من جدّ في العبادة طوال هذه الليالي… أدرك فضلها كله.
هل كانت ليلة 21 رمضان 2025 هي ليلة القدر؟
- فهل كان شروق الشمس في 21 رمضان علامة؟ ربما.
- هل كانت ليلة القدر؟ لا نعلم.
- لكن هل كان فيها نور وطمأنينة؟ كثيرون شعروا بذلك.
- وهل كان فيها دعاء وبكاء وإقبال؟ نعم، وهذا يكفي.
علامات ليلة القدر في السنة النبوية
جاء في الأحاديث الشريفة عدة علامات، منها:
- السكينة: يشعر القلب بطمأنينة لا توصف.
- اعتدال الجو: لا حر ولا برد، ليلة لطيفة.
- صفاء السماء: تكون صافية، خالية من الشهب غالبًا.
- شمس بلا شعاع: في صبيحة اليوم التالي.
- انشراح الصدر: شعور لا إرادي بالقبول والراحة.
لكن النبي ﷺ نفسه لم يُحدّدها بشكل قاطع، بل قال:
“تحرّوها في العشر الأواخر من رمضان” – رواه البخاري.
ماذا أفعل لو ظننت أنها ليلة القدر؟
- أكثر من الدعاء: لا سيما الدعاء المأثور:
“اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”.
- صلِّ ما استطعت: صلاة التهجد، ركعتين، أو حتى ركعة واحدة بخشوع.
- اقرأ القرآن: لو صفحة واحدة، فهي خير من آلاف الصفحات في غيرها.
- استغفر: لأن الله يحب التوابين، لا سيما في هذه الليلة.
- أحسن النية: فالله يقبل العمل على قدر النية، لا الجهد وحده.
تأمل شخصي: ليلة القدر في القلب
ربما ننسى وسط ترقب العلامات أن ليلة القدر ليست حدثًا فلكيًا فقط… بل هي حالة قلبية. قد تُدركها وأنت تبكي في السجود. قد تزورها وأنت في عزلة صامتة. وقد تمر بك دون أن تراها، لكن الله يراك.
فالسر الحقيقي في النية الصادقة، القلب الخاشع، والدعاء المستمر.
الخلاصة
- هل كانت ليلة 21 رمضان 2025 هي ليلة القدر؟ ربما. وربما لا.
- لكن الأهم من السؤال، أن لا تضيع العشر الأواخر في الترقب والمقارنة، بل في القيام والدعاء والإخلاص. فربما تكون ليلة 23 أو 25 أو 27 أو 29… وربما تكون كل ليلة من هذه الليالي بابًا للقبول والرضوان.
- فاجتهد، واغتنم، وادعُ الله أن يُبلغك ليلة القدر، ويجعل لك منها نصيبًا من العفو والرضا والجنة.