سبب وفاة هدى شديد الحقيقي.. رحلة القوة والوداع الصامت

في لحظة صامتة، وبعد صراع طويل لم يخلُ من الأمل، غادرتنا مساء الجمعة الإعلامية اللبنانية هدى شديد، واحدة من أكثر الأصوات المهنية تأثيرًا في المشهد الصحافي والإعلامي اللبناني. غادرت بهدوء، كما كانت دائمًا، ولكن برحيلها تركت خلفها الكثير من الدروس، ومشاعر لا تنطفئ في قلوب من عرفوها.

فمن كانت هدى شديد؟ ولماذا أثار خبر وفاتها هذا الكم من الحزن والجدل؟ وما هو المرض الذي سلب منها الحياة لكنه لم يكسر روحها؟

 من هي هدى شديد؟ الوجه الصادق للإعلام اللبناني

هدى شديد لم تكن مجرد إعلامية لبنانية تؤدي دورها أمام الكاميرات. كانت مدرسة في المهنية، وبوصلة في عالم الإعلام السياسي الحواري. عرفت بتقاريرها القوية، وتغطياتها الرصينة من داخل القصر الجمهوري اللبناني، حيث غطّت نشاطات الرؤساء لسنوات، وبنت علاقة ثقة نادرة مع جمهورها.

ولدت هدى في لبنان وعاشت فيه كل فصوله؛ من الحروب إلى الاستقرار، من الأزمات إلى الأحلام. ولم تكن مذيعة تقليدية، بل صحفية ميدانية، تواجه التحديات بالكلمة لا بالصوت فقط، تُحاور وتدقق، وتنقل الحقيقة بعيون لا تعرف المجاملة.

 مسيرة إعلامية لا تُنسى

بدأت هدى شديد مسيرتها في العمل الإعلامي منذ عقود، وعُرفت بحضورها المميز على شاشات التلفزيون اللبناني. قدمت البرامج السياسية بحنكة نادرة، وجعلت من اسمها عنوانًا للرصانة والاحتراف. وكان القصر الجمهوري اللبناني جزءًا من حياتها المهنية، حتى لقّبها البعض بـ”سيدة القصر” لكثرة تغطياتها الميدانية هناك.

وقد كُرّمت من قبل الرئاسة اللبنانية أكثر من مرة، وكانت آخر زيارة لها إلى القصر الجمهوري مفعمة بالمشاعر، إذ عبّرت عن أنها تشعر بأنها قد تكون الزيارة الأخيرة… وكأنها كانت تودّع المكان الذي عاشت فيه الكثير من الذكريات والمواقف.

 مرض هدى شديد: حين هاجمها السرطان مرتين

الحياة لا تخلو من التحديات، وهدى كانت تعرف كيف تواجهها. فقد أصيبت بمرض السرطان في مناسبتين، وكانت المعركة الثانية هي الأشد ضراوة.

لم تُخفِ مرضها، بل واجهته علنًا، متحدّثة عنه في الإعلام ومشاركة جمهورها لحظات الضعف، الألم، والأمل.

وفي منشورٍ مؤثر عبر “إنستغرام”، نشرت هدى صورة لها دون شعر مستعار، وكتبت باللغة الإنجليزية:

“Finally I faced my fear… It is the real FREEDOM.”

“أخيرًا واجهت خوفي.. إنها الحرية الحقيقية”.

تلك العبارة لم تكن مجرد كلمات، بل إعلان حرية، وشجاعة، ومصالحة مع الذات في أشد الأوقات قسوة.

سبب وفاة هدى شديد الحقيقي

وثقت هدى شديد تجربتها المريرة مع السرطان في كتابها المؤثر “ليس بالدواء وحده”، حيث قدمت سردًا صادقًا لإنسانيتها وتجربتها مع العلاج الكيماوي، والخوف من الموت، والأمل الذي لا ينكسر.

كتابها هذا أصبح مرجعًا روحيًا للكثيرين ممن يخوضون معركة المرض الخبيث. لم تكن تكتب من أجل الشهرة، بل كانت تكتب لتمنح الآخرين ما تحتاجه هي: القوة.

 لحظة الرحيل… الرحمة التي انتصر بها القدر

في مساء يوم الجمعة، رحلت هدى شديد. لم تكن مفاجأة قاسية لمن تابع مسيرتها مع المرض، لكنها كانت موجعة. فالمرأة التي ألهمت الجميع بشجاعتها، غادرت بهدوء، مخلفة وراءها فراغًا كبيرًا في الإعلام اللبناني وقلوب محبيها.

أعلنت عائلتها نبأ الوفاة وسط موجة حزن واسعة اجتاحت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ونعى العديد من الإعلاميين والصحفيين اللبنانيين والعرب زميلتهم الراحلة بكلمات مؤثرة.

 ردود الفعل: وداعًا أيقونة القوة

توالت عبارات التعزية من زملاء المهنة والشخصيات السياسية والثقافية. ومن أبرز ما قيل:

الإعلامي مارسيل غانم: “وداعًا يا هدى… كنتِ صوتًا لا يعلو عليه إلا ضميرك”.

الرئيس ميشال عون سابقًا: “خسارة لبنان إعلامية محترفة وشجاعة”.

زملاؤها في القنوات اللبنانية: “هدى… اسمك سيبقى محفورًا في ذاكرة الكلمة”.

دروس من حياة هدى شديد

  • قوة الكلمة: كانت تُعلّمنا أن الكلمة مسؤوليّة، وليست مجرد صوت.
  • الشفافية مع الألم: لم تخفِ ضعفها، بل حولته إلى طاقة أمل.
  • التواضع رغم الشهرة: كانت تقابل الجميع بابتسامة، من أكبر سياسي إلى أصغر مشاهد.
  • الاحتراف الحقيقي: لم تتاجر يوماً بمآسي وطنها، بل غطّتها باحترام.

 هدى شديد: أيقونة الإعلام الذي لا يموت

رغم رحيلها الجسدي، إلا أن صوت هدى شديد سيبقى يرنّ في ذاكرة الإعلام اللبناني والعربي. ستبقى صورتها في عقل من شاهدها وهي تتحدث، تقف بثقة، وتغوص في التفاصيل بحسّ الصحفي الحقيقي.

ستبقى كل زاوية في القصر الجمهوري، وكل نشرة إخبارية شاركت بها، شاهدة على امرأة لم تخشَ المرض، ولا المواجهة، ولا الحياة.

 هل نحن مستعدون لتوديع من أضاءوا درب الحقيقة؟

في كل مرة يرحل فيها إعلامي حقيقي، يُطرح السؤال من جديد: هل ما زال الإعلام قادرًا على إنتاج نجوم من معدن هدى شديد؟ هل الجيل الجديد يتعلّم من أمثالها أن الإعلام رسالة قبل أن يكون مهنة؟

إن الإجابة ليست سهلة، ولكن ما تركته هدى من إرثٍ مهني وإنساني كفيل بأن يظل مشعلًا يهتدي به الآخرون.

 ختام: سلامٌ على روحك يا هدى

  • رحلت هدى، لكن قصتها لم تنتهِ. لقد كتبتها بنفسها، بجسارة، وبقلمٍ مبلّل بالأمل.
  • سلامٌ على روحك يا هدى، وسلام على كل من اختار أن يحيا، حتى وهو يصارع الموت.

ندى عبدالرحمن

كاتبة تتمتع بمهارات عالية في سرد القصص وتغطية الأحداث الهامة. تسعى دائمًا لتقديم محتوى مفيد وممتع للقراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى