حفار القبور السوري: محمد عفيف نايفة يروي الحقيقة من تحت التراب
في لحظة تاريخية مؤثرة، أُزيح الستار عن هوية واحد من أكثر الشهود إثارة للجدل في ملف الجرائم المرتكبة خلال الحرب السورية، إنه محمد عفيف نايفة، الرجل الذي اشتهر بلقب “حفار القبور“، والذي ظلّ صامتًا لسنوات طويلة حفاظًا على حياته، قبل أن يقرر أخيرًا أن يواجه العالم بالحقيقة المروّعة التي عاشها خلال سبع سنوات من العمل القسري في دفن آلاف الضحايا الذين قضوا في سجون النظام السوري.
الكشف عن هويته لم يكن مجرد خبر، بل مثّل محطة مفصلية في ملف العدالة الدولية والانتهاكات التي ارتُكبت في الظل، وأعاد إلى الواجهة حجم المأساة التي دفنت بصمت تحت التراب في مقابر جماعية لا تحمل أسماء.
من هو محمد عفيف نايفة ويكيبيديا؟
محمد عفيف نايفة هو مواطن سوري من مواليد مدينة دمشق، كان يعمل كموظف مدني في مؤسسات تتبع للقطاع الحكومي، وتحديدًا ضمن الفرق المختصة بدفن الموتى.
ومع بداية الثورة السورية عام 2011، وجد نفسه مُجبرًا على أداء مهام تتجاوز طبيعة عمله المدني، بعد أن تلقى أوامر مباشرة من جهات أمنية بدفن جثث المعتقلين الذين كانوا يُقتلون داخل السجون ومراكز التحقيق التابعة للنظام.
على مدى سنوات، بات نايفة الشاهد الوحيد الصامت الذي رأى بأمّ عينه حجم المجازر الخفية التي لم توثَّق إلا بعد خروجه من البلاد، وقراره كسر حاجز الخوف في عام 2025، بعد سقوط النظام السوري السابق.
لماذا لقب بـ “حفار القبور”؟
نال محمد نايفة هذا اللقب بسبب طبيعة عمله القسري، حيث كان يقوم بدفن أعداد هائلة من الجثث التي كانت تصل إلى أماكن محددة من العاصمة دمشق وريفها.
بين عامي 2011 و2018، كان يتلقى شاحنتين أسبوعيًا محمّلتين بما لا يقل عن 300 إلى 600 جثة، معظمها تعود لمعتقلين قضوا تحت التعذيب، أو الإعدام الميداني في سجون مثل:
- سجن صيدنايا العسكري
- أفرع المخابرات الجوية
- الفرع 215 الأمني
وكانت عمليات الدفن تتم غالبًا ليلًا في مقابر جماعية سرية، منها مقبرة نجها جنوب دمشق، في ظروف شديدة السرية، وتحت حراسة أمنية مشددة.
تفاصيل الجريمة الممنهجة التي شهدها
في شهادته الموثقة لاحقًا، روى نايفة أنه كان يرى:
- جثثًا مشوّهة، بعيون مفتوحة وأفواه يعلوها الصمت الأبدي.
- علامات التعذيب واضحة على أجساد الضحايا.
- أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات بين الضحايا.
- أمهات ونساء كنّ جزءًا من الشحنات “المنسية”.
لم يكن يسمح له بتوثيق أي شيء، لا صور، ولا تقارير، فقط الحفر والدفن، بأوامر عسكرية مباشرة.
شهادته أمام محكمة كوبلنز الألمانية
بعد خروجه إلى ألمانيا، انضم محمد نايفة إلى قائمة الشهود الذين قدموا شهادات حاسمة أمام محكمة كوبلنز التي كانت تنظر في قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قِبل عناصر النظام السوري.
وقد قدم شهادات دقيقة تطابقت مع الأدلة المصورة التي سرّبها المصور العسكري المعروف بـ “قيصر”، حيث كانت الجثث التي وصفها نايفة مماثلة لتلك التي ظهرت في صور قيصر، والتي نُشرت في تقارير دولية لفضح جرائم النظام.
الكشف عن هوية محمد نايفة عام 2025
ظلّت هوية محمد نايفة مخفية لسنوات، حفاظًا على سلامته، حتى قرر في 13 أبريل 2025 الكشف عنها رسميًا خلال مؤتمر دولي في جامعة هارفارد الأمريكية تحت عنوان “شهود الصمت: الحقيقة من تحت الأرض“.
خلال كلمته، قال نايفة:
“كنت أدفن أرواحًا لا أعرف أسماءها، كانوا أبرياء بلا صوت. اليوم، أنا صوتهم.”
هذا الظهور كان له أثر كبير على المجتمع الدولي، وأعاد الزخم إلى حملات المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم.
الآثار النفسية على محمد عفيف نايفة
بحسب تصريحاته، عانى نايفة من اضطرابات نفسية عميقة، تمثلت في:
- كوابيس ليلية متكررة
- فقدان الشهية
- رُهاب الأصوات العالية
- مشاعر الذنب
وكان يشير دائمًا إلى أنه “دفن الذاكرة السورية“، و”كان يحمل على كتفيه صمت المقابر“.
دعوته إلى العدالة الدولية
خلال ظهوره الإعلامي الأخير، وجه نايفة نداءً إلى المجتمع الدولي، دعا فيه إلى:
- تأسيس محكمة دولية خاصة بسوريا
- محاسبة كل من أمر ونفّذ وخطط لهذه الجرائم
- حماية الشهود وضحايا الحرب
- فتح المقابر الجماعية وتوثيقها بشكل رسمي
وقال إن العدالة لا تتحقق بالتعاطف، بل بالمحاسبة، ولا يكفي “الندم” ما لم يتحول إلى تحرك قانوني عاجل.
إن قصة محمد عفيف نايفة حفار القبور السوري ليست مجرد رواية عن رجل دُفع إلى حفر القبور، بل شهادة حيّة تختصر مأساة وطن دفن فيه الأبرياء دون أن تُعرف أسماؤهم، أو تُقرأ عليهم الفاتحة.
وفي الوقت الذي تُفتح فيه ملفات العدالة الانتقالية في سوريا، تبقى شهادة نايفة حجر الأساس في بناء ذاكرة وطنية لا تُطمس، وعدالة لا تتجاهل الألم المدفون تحت التراب.