أحكام قاسية بحق صناع محتوى في تونس: كيف يؤثر هذا على حرية التعبير؟
في تطور قضائي أثار اهتمامًا واسعًا داخل تونس وخارجها، أصدرت محكمة تونسية أحكامًا بالسجن تتراوح بين سنة ونصف إلى أربع سنوات على أربعة من صناع المحتوى المعروفين بتهمة نشر محتوى خادش للأخلاق والتجاهر العلني بالفاحشة، بعد ظهورهم في وضعيات مخلة بالأدب على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستغرام. وتأتي هذه الأحكام ضمن إطار حملة تقوم بها السلطات التونسية بهدف تنظيم المحتوى الرقمي والحد من الانحراف الأخلاقي على هذه المنصات.
أحكام قاسية بحق صناع محتوى في تونس
جاءت أحكام المحكمة استجابة لتوجيهات وزارة العدل التونسية التي أوعزت للنيابة العامة بمتابعة صناع المحتوى الذين يقدمون محتوى اعتبرته غير ملائم للقيم والأخلاق المجتمعية. ووفقًا للتقارير، فقد أمرت وزارة العدل باتخاذ إجراءات قانونية ضد من وصفتهم بمروجي المحتوى “الهابط والخادش للأخلاق” في محاولة لتنظيم ما ينشر على الإنترنت من مقاطع تتنافى مع القيم الأخلاقية والآداب العامة. ولقيت الأحكام اهتمامًا واسعًا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تباينت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض للقرارات الصادرة عن المحكمة.
ردود فعل الشارع التونسي والانقسام المجتمعي
أثارت أحكام السجن بحق هؤلاء صناع المحتوى ردود فعل متباينة في الشارع التونسي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن هذه الخطوة تحمي المجتمع وتردع التجاوزات الأخلاقية، وبين من يعتبرها تقييدًا لحرية التعبير. وقد رأى البعض أن فرض عقوبات قاسية بالسجن يعد وسيلة فعالة لضبط المحتوى الذي يُنشر عبر وسائل التواصل، والذي يعبرون عن استيائهم منه بسبب ما يحتويه من مظاهر وصفوها بأنها غير أخلاقية أو تضر بقيم المجتمع.
في المقابل، يرى آخرون أن السجن كعقوبة ربما يكون إجراءً غير مناسب، ويطالبون باتخاذ إجراءات قانونية أكثر مرونة مثل فرض غرامات مالية كبيرة قد تحقق الهدف ذاته دون أن تمس بحرية التعبير أو تثير القلق بين مستخدمي الإنترنت وصناع المحتوى.
آراء الصحفيين والمثقفين حول الأحكام القضائية
أعرب بعض الشخصيات الإعلامية في تونس عن رأيهم حول الأحكام، إذ أكد الصحفي نبيل الشاهد على رفضه لأحكام السجن الصادرة رغم استنكاره لما يقدمه بعض صناع المحتوى. وطرح الشاهد فكرة فرض الغرامات المالية كعقوبة أكثر تناسبًا، مؤكدًا أن ذلك قد يكون أكثر فعالية لأن الغرامات ستؤثر على مكسبهم المالي بشكل مباشر، وقد تكون أداة رادعة دون الحاجة إلى سجنهم. وأضاف الشاهد في منشور على فيسبوك أن معظم نجوم تيك توك وإنستغرام هم من نجوم الصدفة الذين يمتلكون مستوى تعليمي محدود، ويقدمون محتوى سطحيًا وغير هادف ولكنه يحقق شهرة واسعة نتيجة شعبية هذه المنصات بين الشباب.
وجهات نظر أخرى: الناشطون ينتقدون الأحكام القاسية
في سياق متصل، عبّر الناشط إسكندر الورتاني عن رأيه بالموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال إنه يؤيد مبدأ فرض عقوبات على صناع المحتوى المخلّ بالأخلاق، لكنه رأى أن الأحكام بالسجن قاسية. وأضاف الورتاني أن الأحكام القضائية تفتقر إلى التدرج في العقوبات، مقترحًا إعطاء صناع المحتوى إنذارات أولية أو فرض عقوبات مادية قبل اللجوء إلى أحكام السجن، معتبرًا أن الهدف من هذه الأحكام هو الإصلاح وليس العقاب وحده.
من جانب آخر، عبّر بعض المواطنين عن تأييدهم التام للأحكام، معتبرين أن المحتوى الذي يقدمه بعض صناع المحتوى هو “فساد مجتمعي” ويجب التصدي له بصرامة، لا سيما في ظل تزايد الأنشطة التي تتنافى مع القيم والأعراف.
تأثير المنصات الرقمية على القيم الاجتماعية في تونس
يأتي هذا الحكم في وقت تشهد فيه منصات التواصل الاجتماعي نموًا غير مسبوق في تونس، حيث أصبحت وسيلة رئيسية للتواصل والمشاركة بين أفراد المجتمع. ومع تزايد شعبية هذه المنصات، زادت أيضًا المحتويات المثيرة للجدل، وظهرت أنواع جديدة من الفيديوهات التي تثير انقسامات واسعة بين مؤيدي حرية التعبير ورافضيها.
وقد شهدت منصة تيك توك على وجه الخصوص انتقادات عديدة، حيث يرى البعض أنها تحولت في بعض الأحيان إلى منصة لنشر الفيديوهات غير اللائقة، بل إن البعض يستخدمها كوسيلة للسب والشتم والتسول، مما أثار مطالبات متزايدة للدولة بفرض رقابة صارمة على المحتوى المنشور من أجل الحفاظ على الذوق العام وحماية الفئات الشابة من التأثر بهذه الممارسات.
قضايا مماثلة وقرارات دولية
لا تُعد قضية مقاضاة صناع المحتوى في تونس حالة فريدة، إذ سبق وأن شهدت دول عربية أخرى مثل مصر والمغرب قضايا مماثلة اتخذت فيها السلطات القانونية إجراءات صارمة بحق بعض الأفراد بسبب محتويات اعتُبرت خادشة للآداب العامة. ويرى المحللون أن هذا الاتجاه قد يشير إلى تحول في تعامل الحكومات العربية مع حرية التعبير عبر الإنترنت، حيث تسعى هذه الدول إلى إيجاد توازن بين حرية الرأي وحماية المجتمع من تأثيرات المحتوى الذي يتنافى مع قيمه الثقافية والاجتماعية.
تأثير الأحكام على صناع المحتوى الجدد
من المتوقع أن تؤثر الأحكام القضائية بالسجن على صناع المحتوى بتونس في طريقة تعامل المؤثرين الجدد مع المنصات الاجتماعية، إذ قد تدفعهم هذه العقوبات إلى الالتزام بتقديم محتوى يتناسب مع المعايير الأخلاقية، وتجنب نشر أي مضامين قد تثير جدلاً واسعًا أو تضعهم تحت طائلة القانون.
قد يرى البعض أن هذه الأحكام قد تكون فرصة لتشجيع صناع المحتوى على إنتاج محتوى هادف يخدم المجتمع ويحقق تطلعات الجمهور. وفي هذا السياق، يمكن للسلطات العمل على تنظيم حملات توعية لصناع المحتوى حول مخاطر نشر محتوى غير لائق.
توازن مطلوب بين الحرية والمسؤولية
يبقى السؤال مطروحًا حول أفضل السبل التي يمكن من خلالها تحقيق التوازن بين حرية التعبير واحترام القيم الأخلاقية والاجتماعية. وبينما يرى البعض أن فرض الرقابة القانونية قد يكون الحل لضبط المحتوى، يرى آخرون أن تشجيع الحوار المجتمعي وإيجاد وسائل بديلة لعقوبة السجن قد يكون أفضل سبيل للحد من المحتويات المثيرة للجدل.
في نهاية المطاف، تُعتبر قضية الأحكام بالسجن ضد صناع المحتوى في تونس اختبارًا هامًا لقدرة السلطات على إدارة المجتمع الرقمي، حيث تزداد أهمية وجود إطار قانوني وتنظيمي يحافظ على القيم وفي الوقت ذاته يحمي حرية التعبير.