قصة صيام سيدنا علي والسيدة فاطمة كاملة: الإيثار الذي خُلد في القرآن
تمتلئ السيرة النبوية وقصص الصحابة بالكثير من المواقف التي تُجسد معاني الإيثار، الصبر، والتضحية، ومن أبرز هذه القصص قصة صيام سيدنا علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء، التي عكست مدى كرمهم وعطائهم حتى في أحلك الظروف.
هذه القصة تحمل في طياتها قيمًا عظيمة عن الزهد، الكرم، والعطاء بلا مقابل، حتى عندما كانوا في أشد الحاجة للطعام. فكيف صام سيدنا علي والسيدة فاطمة أيامًا متتالية دون إفطار، رغم وجود الطعام أمامهم؟ وما هو الدرس العظيم الذي نستخلصه من هذه القصة؟
في هذا المقال، سنتناول القصة بالتفصيل، مع تحليل القيم والمفاهيم العظيمة التي تنطوي عليها، ودورها في تشكيل المبادئ الإسلامية في الإيثار والتضحية.
بداية القصة: صيام التطوع رغم قلة الطعام
قرار الصيام والتحدي الأول
كان سيدنا علي بن أبي طالب وزوجته السيدة فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد ﷺ، صائمين صيام تطوع، ولم يكن هذا في شهر رمضان، بل كان صيامًا تطوعيًا خالصًا لله تعالى.
قبل موعد الإفطار، طلب سيدنا علي من السيدة فاطمة تجهيز الطعام، لكن لم يكن لديهم أي طعام في المنزل. وهنا برزت أولى علامات الصبر والإيمان القوي.
بحث السيدة فاطمة عن الطعام
رغم عدم وجود طعام، لم تستسلم السيدة فاطمة، وذهبت إلى الجيران لتطلب منهم صاعًا من الشعير، وكان ذلك بمثابة دين عليهم، لتعيده لاحقًا عندما تتحسن أحوالهم.
أحضرت السيدة فاطمة الشعير، وطحنته بيديها الشريفتين حتى أصبح دقيقًا صالحًا لصنع الخبز. لم يكن في منزل آل بيت النبي أي لحوم أو مأكولات فاخرة، فقط خبزة من الشعير كانت تكفيهم للإفطار.
الموقف الأول: إطعام المسكين
عند حلول موعد الإفطار، جلس سيدنا علي والسيدة فاطمة ليأكلا الخبز البسيط الذي صنعته بيديها، لكن فجأة طرق الباب.
“من بالباب؟”
كان الطارق مسكينًا جائعًا، يطلب لقمة تسد رمقه. وهنا جاء الاختبار الحقيقي للإيثار.
لم يتردد سيدنا علي للحظة، بل قال لزوجته:
“أعطيه الخبزة يا فاطمة، هو أحق بها منا”.
وبدون تفكير أو تردد، قامت السيدة فاطمة بتقديم الخبزة الوحيدة التي كانت بين يديهم للمسكين.
وهكذا بقوا صائمين لليوم التالي دون إفطار، رغم حاجتهم الشديدة للطعام.
الموقف الثاني: إطعام اليتيم
في اليوم التالي، قامت السيدة فاطمة بنفس الجهد، وطحنت الشعير من جديد، وأعدت خبزة أخرى لسيدنا علي ولها، حتى يتمكنا من الإفطار.
وعند لحظة الإفطار، وبينما كانت يدهما تمتدان للخبز، طرق الباب مجددًا.
“من بالباب؟”
كان الطارق هذه المرة يتيمًا يبحث عن الطعام.
لم يتردد سيدنا علي للحظة، وقال لزوجته:
“أعطيه الخبزة يا فاطمة، فاليتيم أولى بها”.
وكأن هذا كان امتحانًا آخر من الله سبحانه وتعالى، وبدون أي تردد، قامت السيدة فاطمة بإعطاء الطعام لليتيم، وقررا الصيام ليوم آخر بلا إفطار.
الموقف الثالث: إطعام الأسير
في اليوم الثالث، وبعد يومين من الجوع، قامت السيدة فاطمة الزهراء من جديد بإعداد خبزة جديدة لزوجها ولنفسها.
لكن في لحظة الإفطار، وكما حدث في الليالي السابقة، طرق الباب مجددًا.
“من بالباب؟”
وكان الطارق هذه المرة أسيرًا فقيرًا بحاجة للطعام.
فما كان من سيدنا علي إلا أن قال:
“أعطيه الخبزة يا فاطمة، فهو أيضًا بحاجة إليها”.
وهكذا، أعطت السيدة فاطمة الطعام للأسير، وبقوا صائمين لليوم الرابع على التوالي دون أن يتناولوا أي طعام.
النتيجة: تكريم الله لهم في القرآن الكريم
بعد هذا الإيثار العظيم، كافأ الله سيدنا علي والسيدة فاطمة وأهل بيتهما، بأن نزل فيهم وحيٌ من السماء، حيث جاء في سورة الإنسان (الدهر):
“وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًۭا وَيَتِيمًۭا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءًۭ وَلَا شُكُورًۭا (9)”
لقد سجل القرآن الكريم هذا العمل العظيم في سجل الخالدين، وجعل منه درسًا للأمة الإسلامية في الإيثار والكرم.
الدروس المستفادة من قصة صيام سيدنا علي والسيدة فاطمة
1. الإيثار والتضحية
أبرز ما يميز هذه القصة هو الإيثار الخالص، فقد فضلوا إطعام المساكين واليتامى والأسرى على أنفسهم، رغم حاجتهم الشديدة للطعام.
2. الصبر على الجوع والابتلاء
تحمل سيدنا علي والسيدة فاطمة الجوع لعدة أيام، دون أن يضعف إيمانهم أو يتراجعوا عن قرارهم بمساعدة المحتاجين.
3. الإيمان العميق بالله
لم يكن هدفهم تحقيق مكافأة دنيوية، بل كان عملهم خالصًا لله، ولذلك قال الله عنهم: “لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءًۭ وَلَا شُكُورًۭا”.
4. عظمة أهل البيت وتكريم الله لهم
يؤكد نزول الآية الكريمة أن هذا الفعل العظيم لم يكن مجرد قصة، بل هو درس خالد في التضحية، وتأكيد على مكانة أهل البيت عند الله.
الخاتمة
تُعتبر قصة صيام سيدنا علي والسيدة فاطمة من أروع القصص التي تجسد الإيثار والتضحية في الإسلام. فقد ضربا أروع الأمثلة في الزهد والكرم، وخلد الله عملهم في القرآن الكريم، ليبقى درسًا خالدًا لكل المسلمين.
نسأل الله أن يجعلنا من المتبعين لنهجهم، وأن يلهمنا الإيثار والرحمة تجاه المحتاجين.