جلد المغني الإيراني مهدي يراحي بسبب دعمه لخلع الحجاب – القصة الكاملة
في تصاعد جديد للأحداث المرتبطة بالحريات في إيران، أثار تنفيذ عقوبة الجلد بحق المغني الإيراني البارز مهدي يراحي جدلًا واسعًا داخل البلاد وخارجها. فبعد إطلاق أغنيته التي تحض النساء على خلع الحجاب، وجد الفنان نفسه في مواجهة أحكام قضائية صارمة، حيث تلقى 74 جلدة بأمر من المحكمة الثورية الإيرانية.
هذه الحادثة تأتي في سياق تصاعد الحملات القمعية ضد الأصوات الداعمة للاحتجاجات التي اندلعت في إيران منذ عام 2022 تحت شعار “امرأة، حياة، حرية”، والتي كانت من أكبر الحركات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة.
يطرح هذا المقال القصة الكاملة لمهدي يراحي، من اعتقاله إلى تنفيذ العقوبة بحقه، والتداعيات التي لحقت به بعد موقفه الجريء من قضية الحجاب الإجباري في إيران.
من هو مهدي يراحي السيرة الذاتية؟
يعد المغني الإيراني مهدي يراحي واحدًا من أبرز الفنانين الإيرانيين الذين استخدموا فنهم للتعبير عن مواقف سياسية واجتماعية. بدأ مسيرته الفنية منذ سنوات طويلة، واشتهر بأسلوبه الموسيقي المتميز، حيث استطاع أن يلامس قضايا اجتماعية حساسة في أغانيه.
لكن نقطة التحول الكبرى في مسيرته جاءت بعد أن قرر التعبير عن دعمه لحقوق المرأة في إيران، وخاصة حقها في عدم ارتداء الحجاب الإجباري، وهي القضية التي شكلت محورًا أساسيًا للاحتجاجات الشعبية في البلاد.
إدانة المغني الإيراني بسبب دعمه للاحتجاجات
في عام 2023، أصدرت المحكمة الثورية في إيران حكمًا بالسجن والجلد بحق مهدي يراحي بعد أدائه أغنية تدعم الحركات الاحتجاجية النسائية، حيث كان من أبرز الداعمين لحركة “امرأة، حياة، حرية” التي انطلقت بعد وفاة مهسا أميني في سبتمبر 2022 أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق بسبب “عدم التزامها بالحجاب الإلزامي”.
تم القبض عليه في أغسطس 2023 بعد أن أصدر أغنيته الشهيرة “روزاريتو” (حجابك)، والتي كانت بمثابة دعوة صريحة للنساء الإيرانيات للتحرر من قيود الحجاب المفروض عليهن، وهو ما اعتبرته السلطات تحديًا لقوانين الجمهورية الإسلامية في إيران.
تنفيذ عقوبة الجلد بحق مهدي يراحي
بعد أشهر من إدانته، قررت السلطات الإيرانية تنفيذ العقوبة بحق مهدي يراحي، حيث تلقى 74 جلدة في مقر المدعي العام للأمن الأخلاقي في طهران. هذا الإجراء أثار موجة استياء عارمة بين الناشطين الحقوقيين والفنانين الإيرانيين الذين اعتبروه انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.
وكتبت زهرة مينوي، محامية يراحي، على منصة “إكس” قائلة:
“اليوم، تمّ تنفيذ الجزء الأخير من الحكم الصادر عن المحكمة الثورية – 74 جلدة – بشكل كامل وتامّ في الفرع الرابع من مكتب تنفيذ أحكام المدّعي العام للأمن الأخلاقي في طهران.”
وأضافت:
“القضية أغلقت.”
وفي رد فعل صادم، نشر يراحي بيانًا أكد فيه عدم ندمه على موقفه، قائلاً:
“الشخص الذي لا يرغب في دفع ثمن للحرية، لا يستحقّ الحرية.”
ردود الفعل الغاضبة على تنفيذ العقوبة
أثار الجلد العلني للمغني الإيراني ضجة كبيرة بين الأوساط الفنية والسياسية، حيث اعتبره العديد من الحقوقيين والفنانين إهانة لحرية التعبير. وجاءت أبرز ردود الفعل من الممثلة الإيرانية الشهيرة ترانه عليدوستي، التي اعتقلت في وقت سابق بسبب دعمها للاحتجاجات، حيث كتبت عبر إنستغرام:
“عار على التخلّف وعار على التعذيب وعار على العنف وعار على القوانين المناهضة للإنسانية!”
أما نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام والتي كانت بدورها سجينًا سياسيًا في إيران، فقد وصفت العقوبة بأنها انتقام سياسي، قائلة في بيان لها:
“الجلدات على جسد مهدي هي سياط ضد النساء الإيرانيات الفخورات اللواتي يتمتعن بالمرونة والروح المزدهرة لحركة امرأة، حياة، حرية.”
دور الأغاني في الاحتجاجات الإيرانية
لم يكن مهدي يراحي الفنان الوحيد الذي واجه قمع السلطات بسبب استخدام الموسيقى كوسيلة للتعبير عن رفضه للحجاب الإجباري، حيث أصبحت الموسيقى أداة قوية في مقاومة القمع في إيران.
في عام 2022، أصدر يراحي أغنية “سوروده زان” (نشيد المرأة)، والتي أصبحت نشيدًا رسميًا للاحتجاجات وخاصة بين الطلاب في الجامعات. وقد أثارت الأغنية مشاعر الآلاف من الإيرانيين، الذين وجدوها معبرة عن معاناتهم وأملهم في مستقبل أكثر حرية.
ويبدو أن الأغاني الاحتجاجية قد شكلت مصدر قلق كبير للسلطات الإيرانية، حيث باتت تعتبرها رمزًا للتحدي وتتعامل معها بصرامة كبيرة، كما ظهر في قضية يراحي.
القوانين الإيرانية وعقوبة الجلد
تُعتبر عقوبة الجلد واحدة من العقوبات المطبقة في إيران وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية التي تتبعها المحاكم الثورية، إلا أنها لا تُنفذ دائمًا، حيث يتم تجنبها في بعض الحالات أو استبدالها بعقوبات أخرى.
لكن في حالة مهدي يراحي، قررت السلطات تنفيذ العقوبة بشكل علني وصارم، مما أثار تساؤلات حول الهدف الحقيقي من ذلك، وهل كانت محاولة لترهيب الفنانين والناشطين الآخرين ومنعهم من التجرؤ على مواجهة النظام؟
ما بعد الجلد: ماذا ينتظر مهدي يراحي؟
رغم تنفيذ العقوبة بحقه، لا يزال مهدي يراحي يواجه تحديات قانونية في إيران، حيث قد يتم استدعاؤه للمحكمة مجددًا في حال قرر إطلاق المزيد من الأغاني التي تنتقد النظام الإيراني أو تحرض النساء على رفض الحجاب.
لكن تصريحات الفنان بعد جلده تشير إلى أنه لن يتراجع عن مواقفه، حيث أكد أنه مستعد لدفع ثمن الحرية، في إشارة واضحة إلى استعداده لمواصلة نضاله الفني من أجل حقوق المرأة في بلاده.
خاتمة: هل أصبح الفن سلاحًا في مواجهة القمع؟
إن قضية مهدي يراحي هي مجرد واحدة من عشرات القصص التي تؤكد أن الفن في إيران لم يعد مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبح سلاحًا قويًا في وجه القمع. من خلال أغانيهم ورسائلهم الجريئة، يواصل الفنانون الإيرانيون نقل أصوات الملايين الذين يطالبون بالحرية، رغم كل التحديات التي تواجههم.
وبينما تستمر الاحتجاجات النسائية في إيران، فإن قضية الحجاب الإجباري ستظل واحدة من أكثر القضايا الجدلية في البلاد، وقد تكون العقوبات المشددة مثل الجلد والسجن مجرد محاولات يائسة لإخماد الأصوات المطالبة بالتغيير.